آخر المواضيع

mardi 26 novembre 2013

خصائص الفكر الإسلامي

يعتبر الفكر الإسلامي فكرًا إنسانيًّا يتَّسم بما يتَّسم به الفكر الإنساني من سمات وخصائص، إلاَّ أنَّ هذا يستند إلى مصادِر ربَّانيَّة، في حين أنَّ غيره يفتقر إلى هذه المصدريَّة، فما الَّذي يميِّز الفكر الإسلامي بربَّانيَّة مصدريْة ولا يُفْقِده صفة الإنسانيَّة:

النّسبيَّة الإسلاميَّة: يعتبر الفكر الإنساني فكرًا نسبيًّا بصفة عامَّة؛ لأنَّه صادر عن الإنسان، وعلْم الإنسان نسبي مهْما كانت دقَّته، فالحقّ المطلق هو ما يختصّ به الله - تعالى -، أمَّا علوم الإنسان فهي حقائق نسبيَّة في تنوّعها وتعدُّدها، فالحقّ واحد مطلق متجاوز للإنسان والتَّاريخ يختصّ به الله تعالى، والحقائق متعدِّدة متنوِّعة نسبيَّة، وهي تجلّيات للحقّ المطْلق، فهي نسبيَّة لأنَّها متلبِّسة بالتَّاريخ (الزَّمان والمكان) وناتجة عن وعْي الإنسان بها، فالنِّسبيَّة في الفكر الإسلامي تتَّصف هي الأخرى بالإسلاميَّة؛ لأنَّها ليستْ نسبيَّة مائعة سائلة تقوم على عقْل الإنسان وحْده، بل ترتكِز على المطلق، فهي تتَّخذ من الله تعالى المبدأ والغاية، وفي هذا المعنى يقول عبدالوهاب المسيري: "ويُمكننا الحديث عن النسبيَّة الإسلاميَّة باعتبارها نسبيَّة تنصرِف إلى خطاب الخالِق، فنحن نؤمِن بأنَّ ثمَّة مطلقات نهائيَّة لا يمكن الجدال بشأْنِها، نؤمن بها بكلّ ما تحوي من عقْل وغيْب، منها ننطلق وإليْها نعود، أمَّا ما عدا ذلك فخاضعٌ للاجتِهاد والحوار"[20]، فالنّسبيَّة الإسلاميَّة تقوم على تداخُل المطلق النّهائي المتمثِّل في مصدرَي الفِكْر الإسلامي، واجتهاد الإنسان في فهم هذين المصدرَين والتَّعامل معهما.



ولقد ظلَّ الفِكْر الغربي فترةً طويلة من الزَّمن يعتقد في مطلقيَّة أحكام العقْل، خاصَّة العلوم التَّجريبيَّة، وأطلق عليها اسم العلوم الدقيقة، إلى أن ظهرت فكْرة النِّسْبيَّة، فقوّضت الفكْر الغربي لينتقل من القول بمطلقيَّة العقل إلى القول بالنسبيَّة في كلّ شيء، وهي ما يعبَّر عنها بالنسبيَّة السَّائلة، الَّتي لا ترتكِز على ثابت.



وقد كان وعْي المسلمين منذ نشأة الفكْر الإسلامي كبيرًا بنسبيَّة المعرفة الإنسانيَّة، حتَّى وهي تتناول الوَحْي المطْلق كموضوعٍ للمعْرفة تسْتقي منه علوم الدّين؛ لذا نَجد دأْب علماء الإسلام يَختمون كلامهم بقول: "والله أعلم"؛ دلالةً على أنَّ ما وصلوا إليه من نتائج إنَّما هو اجتِهادهم النِّسْبي، وليس بأيّ حال مطْلقًا، كما ورد عن الإمام مالك - وهو مَن هو في العلم - قوله: "كلّ يؤخذ من كلامِه ويُرَدّ إلاَّ صاحب هذه الرَّوضة (إشارة إلى النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الَّذي يعتبر قولُه وفعله وتقريره وحيًا)، فهو مطْلق إن صحَّ ثبوته، أمَّا اجتِهادات الإنسان في سائِر العلوم الإسلامية فهي تتَّصف بالنِّسْبية.



التحيُّز: وهو وجه آخر من نسبية الفكر الإنساني، ونعني بالتحيُّز هنا الذَّاتيَّة في الفكْر الإنساني؛ أي: إنَّ الفِكْر الإنساني لا يتَّصف بالموضوعية المطْلقة، بل ينحاز منتجه لا إلى شخصه وهواه، وإنَّما إلى خلفيَّاته الفكريَّة ومشاربه الثَّقافية ونوازعه الدينيَّة، وغيرها من الرَّوافد التي تجعل الفِكْر مشبعًا بتحيُّزات صاحبه؛ إذ ليس هناك حقيقة موضوعيَّة مطلقة، فما من موضوع إلاَّ وتتناوله ذات تصوغه وفق منظورها، كما لا تُوجد ذاتيَّة مطلقة، فالذَّات إنَّما تصوغ فكرَها وفق معْطيات موضوعيَّة صحَّت أو أخطأت.



فالتحيُّز ليس عيبًا في الفكْر الإنساني بل أحد سِماته وخصائصه؛ لذا فالفِكر الإسلامي هو الآخر يتميَّز بهذه الخاصّيَّة، وتظهر من خلال اسمه، فلفظ الإسلامي يبين تحيُّزه لدين معيَّن هو الإسلام، وبالتَّالي لمرجعيَّة معيَّنة ورؤية محدَّدة هي الرّؤية التَّوحيديَّة.



بل إنَّنا في الفكْر الإسلامي ذاته سنجد تحيُّزات عدَّة فقهيَّة عقديَّة سلوكيَّة، كالتحيُّز لمذهب فقهي أو عقدي أو سلوكي، فالجزائر مثلاً تدين بالفقه المالكي، وبالتَّالي خياراتهم الفقهيَّة والتَّعبُّدية متحيّزة للمذهب المالكي.



غير أنَّ التَّحيُّز قد يتحوَّل إلى عيْب في الفكر في حالتَين اثنتين:

1- إذا جاوز التحيُّز حدَّ الحقيقة، فيصبح بذلك تعصُّبًا، فذواتنا بكلّ مكوّناتها الفكريَّة والثَّقافيَّة والنفسيَّة ليستْ مطْلقة؛ بل نسبيَّة، ومقصد الإنسان في حياته إنَّما هو الكدح نحو الحقّ لبلوغه أو الاقتِراب منه، وحين يصبح النّسبي مطلقًا والمطْلق نسبيًّا، يكون التَّحيُّز قد جاوز حدَّ الحقيقة.



فالفِكْر الإسلامي يعترِف بتعدُّد الحقيقة في شتَّى أبعادها، والَّتي هي تجلّيات للحقّ المطْلق، فالفقه الإسلامي عرف مذاهب متعدِّدة، وكذلك الفكر العقدي، وعلوم القرآن والسنَّة، لكن لم يَخرج بهم اختلافهم عن الملَّة لأنَّهم لم يخرجوا عن حدِّ الحقيقة؛ بل إيَّاها كانوا يقصدون.



غير أنَّ التَّاريخ شهد مواقف كثيرة حادتْ بالتحيُّز عن الحقيقة إلى التعصُّب للرَّأي أو الهوى.



2- الاختِراق والتبعيَّة: والوجه الثَّاني من سلبيَّة التَّحيُّز حين تصاب الذَّات بانهزاميَّة أمام آخر، فتقع في تبعيَّة استلابية لفكرِه بكلّ تحيُّزاته، وهو ما عبَّر عنه ابن خلدون قائلاً: "إنَّ المغلوب مولَع بتقْليد الغالِب"، وهو ما أصيبتْ به الحضارة الإسلاميَّة في عصورها المتأخِّرة حينما استفاقت على هوَّة شاسِعة بينها وبين الغرْب، فأضحى بعض علمائها يدعو إلى تقليده في الفكر والسلوك للحاق بركبه، حتَّى أصبح هو معْيار التقدُّم والنموذج الحضاري المرجوّ.



وفي مقابل التبعيَّة الناتجة عن الانهزاميَّة الحضارية للذَّات، يوجد سلبيَّة أُخرى للتحيّز، هي اختراق الهويَّات الأخرى والنَّاجمة عن الاستِعْلاء والاستكبار والنزعة التوسُّعيَّة الاحتِلاليَّة، وهو ما تُمارسه الحضارة الغربيَّة على الشعوب المستضْعفة من هيمنة فكريَّة ومادّيَّة، حيث بهرت العالم بفِكرة التقدُّم كمفهوم مركزي في نهضتِها، وكقانون عامّ لا يمكن لِمن أراد الوصول إلى ما وصلتْ إليه إلاَّ نَهجه، وهو ما يستلزم تفوُّق الغرب وتقدُّمه وإطلاقه، بل ومعياريَّة نموذجه الحضاري والمعرفي المادّي، حيث يصبح الغرب نموذجًا قياسيًّا للبشريَّة جمعاء من خلال هيمنة خبرته الحضاريَّة وتعميم نظريَّاته ومفاهيمه في مختلف العلوم؛ ممَّا يؤدِّي إلى إنكار التَّجارب الإنسانيَّة والحضارية الأخرى، وإسْقاط المثل والقيم والغايات ونفيها خارج إطار العلم والتاريخ[21].

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة