آخر المواضيع

mardi 26 novembre 2013

وسائل المعرفة في الفكر الإسلامي

وسائل المعرفة في الفكر الإسلامي:

إذا نظرْنا في الفكر الإسلامي فسنجد أنَّ المعرفة تنفتح على مجالَين واسعَين، هما عالم الغيب وعالم الشهادة، عكس الفكْر الغربي الَّذي يقتصر على الجانب المادّي من عالم الشهادة، وهو ما بيَّنه تعالى في قوله: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7]، وبالنَّظر إلى هذَين المجالين المتداخِلين يتوسَّل الفكر الإسلامي إلى المعرفة بثلاث وسائل تتساوى في الأهمّيَّة، وهي: العقل والقلْب والحواسّ.



العقل: اختلف العُلماء والمفكِّرون في تعْريف العقل؛ فمنهم مَن أنكر وجود شيء مستقلّ بهذا الاسم، وجعله هو والعِلم اسمين لمسمّى واحد[17]، ومنهم مَن جعله رديفَ القلب[18]، ومنهم من أسْهب في الحديث عنه بطريقةٍ تبيّن حدوده، وقسَّمه إلى أقسام عدَّة، وبيَّن وظيفة كلّ قسم[19]، غير أنَّنا إذا عُدنا إلى القرآن الكريم فلن نجد كلِمة "عقل" كمصدْر، وإنَّما جاءتْ في صيَغ فعليَّة متعدِّدة، مثل: "تعقلون"، و "يعقلون"، و "عقلوه"، و "يعقلها"، و "نعقل"، وهو ما يدلُّ على أنَّ العقل ليس مصدرًا قائمًا بذاتِه، وإنَّما هو عمليَّة تعقُّل يقوم بها الإنسان؛ ليربط بين الدَّالّ والمدْلول، والأسباب والمسببات، والمقدمات والنتائج، وغيرها من العمليات الوظيفية في الأشياء المجرَّدة منها والمحسوسة للوصول إلى فكرٍ يسير به في حياته، ويسيّر به شؤونه.



فالعقل - إذًا - وسيلة أو آليَّة في إنتاج الفكْر عمومًا، وفي الفكر الإسلامي العقْل وسيلة للتدبُّر في الوحي لاستِخْلاص مقاصده وعلومه، والتَّأمّل في الكون لمعرفة قوانينه ونواميسه، فعمل العقل وفق هذا المنظور يكون في مجْمله في الأمور المجرَّدة.



القلب: لا يقصد بالقلب هنا ذلك العضو الحيّ الذي يقع في الجانب الأيسر من القفص الصَّدري، والَّذي يقوم بضخّ الدَّم في جسم الإنسان، وإنَّما هو تلك اللَّطيفة الربَّانيَّة - حسب تعبير الغزالي أبي حامد - التي يشْعر بها الإنسان، وهو محلّ التصديق والإيمان، وعلى اعتبار أنَّ الفكر الإسلامي ينفتح على عالم الغيب، بل إنَّ اعتبار الوحي والكون كمصدرين له ينبني على التَّصديق بالغيب والإيمان به، وهو توحيد الله باعتباره منزل الوحي وخالق الكون، وذلك لا يكون إلاَّ بالقلب محلّ التَّصديق والإيمان؛ لذا نجد المولى - عزَّ وجلَّ - يُسْبِق لفظ الغيب بالإيمان ﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 3]؛ فالقلب - إذًا - هو وسيلة من وسائل الإدراك والمعرفة في الفكر الإسلامي، وهو من الأهمّيَّة بمكان حيثُ لا يمكن استبداله بالعقْل ولا بغيره، فعمل القلْب وفقًا لهذا يكون في الأمور الوجدانيَّة.



الحواس: وهي جمع حاسة، وهي الوسائل التي ندرك بها الأمور المادّيَّة، كالأذن التي تقوم بوظيفة السَّمع، والعين التي تقوم بوظيفة البصَر، والأنف الَّذي يقوم بوظيفة الشَّمّ، وغيرها من الحواسّ التي نتواصل بها مع عالمِنا الخارجي.



وقد بيَّن الموْلى - عزَّ وجلَّ - هذه الوسائل في كتابه قائلاً: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ﴾ [الإسراء: 36]، فالسَّمع والبصر (الحواسّ)، والفؤاد (القلب والعقل)، هي وسائل العلم والمعرفة.

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة